أيقونة عالم التكنولوجيا يركز نشاطه على العمل الخيري في وقت تواجه فيه الشركة التي أسسها أمواجا عاتية
مايكروسوفت بعد غيتس (وبيل بعد مايكروسوفت)
لن يكون هذا الأسبوع بالنسبة إلى بيل غيتس مختلفا كثيرا، من بعض النواحي، عن الـ1712 أسبوعا التي سبقتها والتي أمضاها في التفرغ الكامل للعمل في "مايكروسوفت"، الشركة التي شارك في تأسيسها وهو مراهق. فأمام الرجل الأيقونة البالغ 52 عاما من العمر بعض الاجتماعات الثنائية التي تمت جدولتها مع عدد قليل من تنفيذييه التقنيين البارزين. ولديه اجتماعات مع بعض الزبائن. وكما يحدث غالبا، سيزور الاستوديو التلفزيوني الواقع في حرم مايكروسوفت في ريدمونت، بولاية واشنطن، لتسجيل عدد من الرسائل لمناسبات لن يستطيع حضورها. وإضافة إلى ذلك، يقول الرجل: "آمل أن أكتب بعض المذكرات الداخلية".
بيد أنه سيكون من الوهم بقاء الحالة كالمعتاد. فالجميع يعرف أن بيل غيتس سيخطو خارج مكتبه، كأحد العاملين في مايكروسوفت، للمرة الأخيرة، بحلول نهاية الأسبوع. (في هذا اليوم الأخير سيتم تمزيق الروتين، وقد خطط الموظفون لإقامة بعض الأحداث تيمنا بالمناسبة). وسيحظى باستراحة هذا الصيف (بما في ذلك رحلة طويلة لحضور الألعاب الأولمبية في بكين)، ومع بداية سبتمبر سيصب عمل حياته الجديد على مؤسسة بيل وميليندا غيتس، المنظمة الخيرية التي أنشأها وزوجته عام 2000. وبوقف راهن يبلغ 37.3 مليار دولار، فإن المنظمة هي أغنى المؤسسات الخيرية في العالم.
يغادر غيتس في وقت تواجه فيه مايكروسوفت التحديات، لكنها الخطوة الأخيرة في عملية تم التخطيط لها بدقة وتأن قبل أربع سنوات. ففي ربيع 2004، بدأ الزوجان غيتس يناقشان إمكانية أنه لو زاد بيل دوره في المؤسسة -عن طريق تقديم تبرع عقلي كبير، كما فعل بالمال- فقد يكون بإمكانه إنقاذ حياة الكثيرين. وقد جعل غيتس الأمر رسميا في يونيو 2006، حين أعلنت مايكروسوفت عن فترة انتقالية تمتد لعامين وتنتهي، حسنا، الآن. ويقول غيتس: "لا أعرف أي تقاعد تم التخطيط له بمثل هذه العناية".
البعد المتناقض في هذه الفترة هو أنه في الوقت الذي ما برح غيتس فيه يبتعد بوعي عن بعض المجالات (لم يعد أحد تقريبا يأتمر بأمره، وأصبح تركيزه التقني محدودا حول بعض المجالات الأساسية كالأبحاث والنسخة التالية من ويندوز)، فإن شغفه بعالم البرمجيات ما زال على حاله لم يتغير. يقول المدير التنفيذي الرئيسي ستيف بالمر إن "بيل يأتي إلى كل اجتماع وكأنه سيبقى هنا للسنوات الـ10 المقبلة". لذا فلا أحد يعلم حقا مدى الصدمة الثقافية التي ستنشأ حين يغادر غيتس حرم الشركة يوم الجمعة. ورغم أنه سيبقى رئيسا لمجلس إدارتها -مما يضمن له قدرا هائلا من القدرة على المشاركة في القرارات المهمة- ويخطط لقضاء ما يساوي يوما واحدا أسبوعيا في أعمال الشركة، إلا أن فكرة أنه لن يكون هناك تبدو ضربا من الخيال. مايكروسوفت من دون بيل غيتس؟ إنه أمر لا يحتمل الحساب.
يقول ستيف بالمر، الرجل الذي سيحمل المهمة الكبرى بعد مغادرة غيتس للمبنى: "إنه ليس بيل غيتس فحسب. إنه الـبيل غيتس الوحيد. إذا كان لك أن تذكر أسماء الأشخاص الخمسة الأكثر شهرة على كوكبنا اليوم، فمن المحتمل أن يكون على القائمة". لقد أسس الشركة، وقد راكم هذه الثروة، وحصل على هذه المؤسسة، وهو يملك هذه الشهرة. تلك أمور لا يمكن استبدالها. كما أن بيل ترعرع مع تكنولوجيات هذه الشركة كلها. ولديه قدرة أكبر على تذكر الأشياء من أي شخص عرفته في حياتي. ليس من المحتمل أن نحظى ثانية بشخص على هذا القدر من سعة الأفق".
يمكننا أن نقول إن حقبة تنصرم حقا منذ أن اخترع غيتس وشريكه بول آلن صناعة برمجيات الكمبيوترات المكتبية (أسسا مايكروسوفت لوضع أول برنامج للكمبيوتر الشخصي الأول المسمى ألتير). ومن الجهة الأخرى، يقول المنتقدون إن رحيل غيتس ليس له أهمية قصوى» فالشركة تجاوزت ربيع عمرها. ويقول ميتش كابور، مؤسس "لوتس"، عملاق برمجيات الصفحات المفتوحة الذي حصرته مايكروسوفت في موقع متواضع في ثمانينات القرن الماضي: "حقبة غيتس انتهت بالفعل» تلك هي الخاتمة. إن غوغل هي الشركة التي تحدد الأمور في صناعتنا".
هل كان عقدا واحدا فقط من الزمن حين كان وادي السيليكون يهتز تجاه كل خطوة تقوم بها مايكروسوفت؟ كانت الشركات الناشئة تتخلى عن خططها إذا علمت أن مايكروسوفت كانت تفكر بالتنافس معها في المساحة نفسها» لم يكن أحد يريد الشجار مع "الغوريلا التي تزن 800 رطل"، كما تم تصويره في رسم قصة غلاف مجلة نيويورك تايمز النافذ لجيمس غليك عام 1995. نعم، ما برحت موارد مايكروسوفت هائلة، وما زالت منتجاتها الأساسية تخترق عالم الكمبيوتر بحصص تحتكر السوق بمستواها، لكن الغوريلا تحول إلى بَعام (شمبانزي) فيما يتعلق بتخويف أصحاب الوادي. وحين كان حكيم شركات الشبكة العنكبوتية الناشئة بول غراهام يروي لشاب من أصحاب الابتكار التجاري كيف كانت الشركات تخشى مايكروسوفت، لم يستطع الشاب إدراك السبب الذي يدفع أيا كان لسلوك مثل هذا المسلك. وفي بحث محكم كتبه عام 2007 تحت عنوان "موت مايكروسوفت" قال غراهام: "كأنني أخبرته بمدى إعجاب الفتيات [بالمغني] باري مانيلو في ثمانينات القرن الماضي. باري من؟".
من الصعب وصف شركة يدخل عليها 50 مليار دولار سنويا بأنها قد ماتت. لكن لدى مايكروسوفت بعض المحن الخطيرة. فأسهمها لم تتزحزح منذ خمس سنوات. (مازال عملها الأساسي المتمثل في ويندوز وأوفيس ناجحا إلى حد هائل مع أن الاتحاد الأوروبي مازال يستقصي سلوك مايكروسوفت الذي يفترض أنه يستغل حصتها البالغة 90 بالمائة وأكثر من السوق، رغم تسوية أمور الاحتكار المتعلقة بالشركة في الولايات المتحدة). وشكلت النسخة الأحدث من ويندوز، فيستا، كارثة. فقد أصدرتها مايكروسوفت متأخرة أعواما، وخالية من الميزات الأساسية التي وعدت بها أصلا، ودفعت مشاكل فشل أدائها الزبائن إلى التقدم بمطالب غير مسبوقة لصانعي أجهزة الكمبيوتر يطلبون فيها تخفيض منزلة أجهزتهم الجديدة لكي يتمكنوا من استخدام نظام التشغيل السابق، ويندوز أكس بيه.
ثم هناك "غوغل". فأداء مايكروسوفت في منافستها مع عملاق البحث الكائن في ماونتن فيو، ولاية كاليفورنيا، بائس -في عدد مرات البحث وموارد الإعلان المقبلة من هذه الاستفسارات- إلى حد أنها حاولت شراء "ياهو" مقابل نحو 50 مليار دولار، دون نجاح. وقد تركت مايكروسوفت، عقب ذلك الفشل الذريع، لتعترف بأنها بحاجة إلى إصلاح عميق لا يبدو واضحا في الأفق. ودفعت عملية الاستحواذ العدائية ياهو إلى أحضان غوغل التي كانت في استقبالها، حيث سمح مدير غوغل التنفيذي الأول جيري يانغ لخصم مايكروسوفت الأساسي بالتعامل مع بعض إعلاناته البحثية.
بالنسبة إلى غيتس، يشكل مثل هذا الضغط عملا يوميا معتادا: لقد كان الأمر دائما هكذا. (فعلا، عند الرجوع إلى 12 عاما من المقابلات، كان هذا ما قاله باستمرار). وهو يقول: "في كل عام عشناه، حظينا بالإثارة التي هي عبارة عن هذا العمل الذي يتغير بسرعة. لم يكن العمل ليصبح مسليا لو كان خاليا من المجازفات".
لكن ألا تعني حركة ياهو أن استراتيجية مايكروسوفت الشبكية -التي صيغت عام 1995 بمذكرة من غيتس عنوانها "موجة الإنترنت العارمة"- قد أغرقت بفعل غوغل؟ يقول غيتس وصوته يرتفع: "فلنر، كيف سارت الأمور منذ 1995؟ هل ازدادت مبيعاتنا؟ هل ازدادت أرباحنا؟ (الإجابة: نعم، 10 أضعاف تقريبا). ثم يتراجع صوته قليلا: "هل نتمنى أيضا أن نكون قد فعلنا كل ما فعلته غوغل؟ بالتأكيد. لكنني مستعد لمقارنة سجلنا منذ 1995 بسجل أي كان".
وتلك أزمة تتكرر عبر سلسلة قيادة الشركة. يقول راي أوزي، الذي ورث عمل غيتس بوصفه مهندس البرمجيات الرئيسي: "يكمن الكثير من قوة الشركة في أن بيل ابتدع ثقافة أزمات» لو لم تكن هناك غوغل، لصنعنا واحدة. ومع أن هناك منافسين مهمين، إلا أن غوغل والبقية ليسوا مختلفين ماديا عن غيرهم في الماضي. إنها حقبة من القوة غير المسبوقة للشركة. لو كان هناك وقت سانح لخروج بيل لما كان بإمكاننا أن نأتي بأفضل من الوقت الحالي الآن".
المسألة هي ما إذا كان بإمكان مايكروسوفت أن تخوض التنافس بالفعالية نفسها دون مؤسسها. بالمر، الذي تسلم مهامه مديرا تنفيذيا رئيسيا عام 2000 بعد 20 عاما من كونه التنفيذي الأساسي لغيتس، واثق من قدرة الشركة على ذلك. كانت العملية الانتقالية صعبة على الطرفين» ووفقا لبالمر، فقد تطلب أمر تحديد الشريك الأساسي والشريك الثانوي بعض الوقت. لكن بالمر مرتاح في طيرانه المنفرد، بعد الفترة الانتقالية المضطربة. كما أن الأمر ليس وكأن غيتس سيختفي عن وجه البسيطة» فسيكون هناك يوم واحد في الأسبوع (مع أن بالمر سينتقل، في حركة رمزية، إلى مكتب غيتس مما سيجبر الأخير على إقامة مواقع لعمله الجزئي في مكان آخر من الممر). لكن ماذا سيحدث لو أصبح غيتس منخرطا بشكل كبير جدا في تمويل المشاريع الصغيرة في العالم النامي إلى حد التوقف عن الرد على مكالمات بالمر؟ يقول بالمر: "سنكون بخير. لو أنه قال لي حقا »لا تستطيع الحصول على دقيقة واحدة من وقتي العام المقبـل« لشعـرت بالامتعاض. لكننا سنكون بخير".
في الوقت الذي يدير فيه بالمر الشركة، سيقع عبء ملء الفراغ الذي سيخلفه غيتس في الخبرة الإبداعية على كاهل اثنين من القادة الفنيين اللذين سيتقاسمان المسؤولية. غريغ مندي، وهو متمرس عريق أمضى 16 عاما في مايكروسوفت، سيقوم بالمزيد من الظهور العام، ويتعامل مع المشاريع الرائدة الطويلة الأمد التي تشرك التعليم، والرعاية الصحية، والبرمجيات التي تستغل الكمبيوترات الخارقة التي ستظهر في المستقبل. كما سيركز على المزيد من التكنولوجيات كالرقائق والبنية التحتية. أما راي أوزي -رائد البرمجيات (اخترع برنامج لوتس نوتس) الذي التحق بمايكروسوفت عام 2005 حين ابتاعت الأخيرة شركته، "غروف"- فسيشكل حضورا داخليا أكبر عبر تصميم استراتيجية شبكة الإنترنت التي سيتم الكشف عنها خلال العامين التاليين.
تدرك مايكروسوفت تماما نقاط الفشل فيما يتعلق بفيستا. ويريد غيتس ضمان أن الإصدار التالي، ويندوز 7، لن يعاني مصيرا مشابها. وقبل عدة أشهر، وضع إطارا لرؤيته للمنتج الجديد. يقول ستيفن سينوفسكي، الذي يرأس جهود ويندوز: "لقد جمع تاريخ ويندوز معا بعبقرية، المهمة الماثلة أمامنا وأهمية ويندوز، لكنه وجه لنا أيضا تحديا على مستوى شخصي للتفكير بما يمكن أن يكون أفضل". كانت لحظة حلوة ومرة بالنسبة إلى سينوفسكي: "كان من الصعب الهروب من حقيقة أن الوقت المخصص لمايكروسوفت سينتقل ونحن نقوم ببناء المنتج". ما يخفف من قلق سينوفسكي، هو حقيقة أن ويندوز 7 أحد المشاريع التي سيواصل غيتس متابعتها بشكل وثيق.
المشاريع الأخرى تتضمن البحث، والنسخة التالية من أوفيس، والسطح البيني [الإنترفيس]. وفي الحقيقة، فإن آخر "مراجعات بيل" الشهيرة، وهي نوع من كابوكية [مسرحة يابانية] المخترعين غريبي الأطوار التي يقوم فيها غيتس بتقييم منتج دون قيود، كرست للنسخة الأحدث من ويندوز 7.
وعلى كل حال، فإن ذلك اليوم في الأسبوع لعمل مايكروسوفت لم يحفر في صخر. ويقول غيتس: "قياس الوقت يمكن أن يكون أمرا مخادعا حين تكتب الرسائل الإلكترونية ليلا ونهارا".
وبينما تتضح الصورة لدى غيتس بشأن دوره المتواصل في مايكروسوفت، فإن ملامح عمله الجديد في المؤسسة أقل وضوحا بطريقة ما. تقول باتي ستونسايفر، المديرة التنفيذية الرئيسية في المؤسسة: "مازال يحاول تقرير أي مزيج من الأشياء سيقوم بعمله". لكنها تضيف إن بعض الأشياء قد حددت: "سيعمل هناك في الخارج في ألمانيا على المساعدات الخارجية، ومع بونو في المناصرة. وسيستخدم النهج نفسه هنا الذي يستخدمه في عمله كمهندس برمجيات رئيسي في مايكروسوفت".
لدى غيتس بعض الأفكار المحددة، صغيرة وكبيرة. فبناء على اقتراح من وورين بافيت -الذي سيتبرع للمؤسسة بمليارات الدولارات من ثروته طوال السنوات القليلة المقبلة- ينوي غيتس العمل على رسالة سنوية، تتمتع بالروح نفسها التي تكمن في طيات رسالة بافيت السنوية لمالكي أسهم "بيركشاير هاثاويي". ولكي يعرف المزيد عن المجالات التي تعمل فيها المؤسسة، يقوم بالقراءة المكثفة حول التعليم والعلوم، وهو يرصد المناهج الجامعية على الإنترنت في الجيولوجيا، والتاريخ، وفيزياء الجزيئات الصغيرة. وقد انخرط كليا في عدد من المسائل. وهو يقول: "يعرف الناس أنني مولع خاصة بالإيدز والملاريا". والتوصل إلى لقاح مضاد للإيدز هو أحد هواجسه، وقد خاب أمل غيتس حين أشارت تجربة إلى أن مرشحا واعدا لحل صنعته شركة "ميرك" لم يكن فعالا. ويستشهد غيتس بحماسة، وهو يناقش اللقاح، ببحث يلمح إلى أن وجود أكثر من بعضها قد يكون أكثر فعالية. ومن الواضح أنه ينظر إلى العملية بالطريقة نفسها التي يرى فيها تطوير البرمجيات، قد تؤدي النسخة 3.0 الغرض.
أحد الأشياء التي لن يقوم به هو الانخراط في العمليات اليومية للمؤسسة. فذلك عمل المدير التنفيذي الرئيسي. ومن قبيل المصادفة، أن عملية انتقال غيتس تحدث في وقت تغادر فيه ستونسايفر عملها. وبعد عدة أشهر من البحث، اختار غيتس وزوجته جيف رايكس، وهو تنفيذي في الـ27 من العمر من مايكروسوفت قريب من الزوجين، خلفا لها. ويقول غيتس: "سيكون من السهل علينا مرافقة إيقاعه الخاص لأننا نعرف بعضنا جيدا". ويقر رايكس قائلا: "لو كانت مؤسسة جو وسالي سميث هي الأكبر في العالم لما تم التفكير بي فورا كمرشح". لكن رايكس، الذي نشأ في مزرعة في نبراسكا، مهتم بالزراعة (إحدى نقاط تركيز المؤسسة)، وستكون مهاراته في مجال الأعمال مهمة والمؤسسة تضاعف تقريبا عدد موظفيها خلال السنوات القليلة المقبلة، وتنتقل إلى مقر يشبه الحرم الجامعي بالقرب من المسلة الفضائية في سياتل.
يدرك غيتس أن هويته كفاعل خير ستكون مختلفة كليا عن دوره كملك البرمجيات، حيث يقول: "ليس لدينا اجتماع قمة للتنفيذيين الرئيسيين حول الملاريا، وعليه لن يتجمع 50000 شخص في مدينة ما ليقولوا »آه، إن خطاب بيل الرئيسي عن الملاريا في طريقه إلينا«". وهو يدرك أن العمل على القضايا في المؤسسة يمكن أن يجعل منه مصدر إشعاع أكثر مما كان عليه وهو يترأس مؤسسة رقمية. ويقول: "العالم الجديد أكثر إثارة للخلاف من العالم القديم. نحن نقوم بتنظيم الأسرة. ونموّل الأبحاث حول المحاصيل، بعض الناس يظنون أنه ينبغي بك عدم استخدام العلم لمساعدة الفقراء. هذا الشيء كله حول أي نظام تشغيل يستخدمه الفرد شيء تافه جدا مقارنة بقضايا الجوع أو الموت".
يستشهد غيتس، كمثال، بالخيار الذي سيتوجب عليه القيام به فيما يتعلق بتمويل برنامج المؤسسة لمكافحة الملاريا. وكما يشرح هو الأمر، فإن أحد الخيارات هو إنفاق 300 مليون دولار على تجارب اللقاح الحالي غير الكامل. أو يمكنه الانتظار بضع سنوات حتى يتم تحسين اللقاح، مع احتمال أن يصبح أكثر فعالية في الوقاية من المرض. ويقول غيتس: "لا يمكنك القيام بالأمرين معا. أحد هذين المسارين ينقذ حياة الملايين مقارنة بالطريق الثاني. لم يكن أمامي إطلاقا خيار في مايكروسوفت يتمتع بهذه الصفة".
إن السير على أرض غير ثابتة كتلك يبرز الصعوبات التي قد يواجهها غيتس وهو يغادر العمل الذي عشقه إلى حد كبير. ويقول بول آلن مستذكرا رحيله هو من مايكروسوفت عام 1983: "قـد يشكّل ذلك تغييرا أكبر مما يظن. فأنت لا تدرك دائما مدى دراماتيكية العملية الانتقالية حين لا يعتمد الناس على قراراتك يوما وراء آخر".
يقول غيتس: "لن أقول بأي طريقة »إنني أضحي لأن ذلك شيء أوصتني والدتي بوجوب عمله. أنا أفعل شيئا قالت لي والدتي إن علي أن أفعله«، لكنه سيكون مسليا جدا. وأنا أشعر بالرضا عن الأثر الذي سيتركه كذلك". أما بالنسبة إلى مايكروسوفت، فهناك دائما البريد الإلكتروني.
عودة غرباء سبعينات القرن الماضي
تلك الصورة التي ربما رأيتها على الإنترنت، والتي تشمل 11 شخصا غير عاديين يرتدون ملابس سبعينات القرن الماضي، هي في الحقيقة صورة فريق مايكروسوفت الأصلي. وقد التقطت في 7 ديسمبر 1978، عشية انتقال الشركة من ألباكيركي، نيومكسيكو، إلى سياتل. وبعد 30 سنة تقريبا، وقبل رحيل بيل غيتس من مايكروسوفت، اجتمعت المجموعة ثانية (على هيئة أفضل).
بوب غرينبيرغ (وسط الصورة القديمة مرتديا السترة الحمراء)، وكان وقتها مبرمجا وهو اليوم تقني ومستشار مالي، فاز في مسابقة لالتقاط صورة شخصية استخدمها للاحتفاء بالمجموعة التي كانت توشك على التشتت. وقد التقطت الصورة في مركز للتسوق.
يقول المؤسس المشارك بول آلن (الأول من اليمين في الصف الأمامي)، الذي أصبح الآن قطبا بارزا من أقطاب الإعلام والرياضة: "الصورة تمسك حقا بلحظة من الزمن والروح التي سادت المكتب". وقد مثلت المصادقة على إقامة شركة في مجال برمجيات الكمبيوتر الشخصي آنذاك ضربة حظ جنونية. يقول المبرمج غوردون ليتوين (الأول من اليمين في الصف الثاني): "كان بإمكاني الحصول على مكتب وصفة وظيفية في شركة محترمة، لكنني ظننت أن هذا الأمر سينطلق". وقد بقي في مايكروسوفت حتى أخذ إجازة عام 1993. أما بوب أورير (يسار الصف الثاني فوق غيتس)، الأكثر خبرة في المجموعة (كان مهندسا في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وهو اليوم صاحب مزرعة أبقار)، فيثني على ذلك -بطريقة ما- حين يقول: "تمثل مفهومي لنجاحنا في أننا سنوظف ذات يوم 40 شخصا أو نحو ذلك".
حضرت الاجتماع ميريام لابوو التي كانت مديرة المكتب (وسط الصورة الجديدة)، التي غابت عن الصورة القديمة بسبب عاصفة ثلجية. (حين التقت لابوو، وهي متقاعدة الآن، للمرة الأولى بغيتس، لم تصدق أن ذلك الشاب الأشعث هو الرئيس). وقد غاب عن الصورة الجديدة بوب والاس (أعلى الوسط)، الذي توفي عام 2002» وقد كان رائد فكرة البرامج التجريبية بعد أن غادر مايكروسوفت عام 1983ومع أن الاجتماع كان يمكن أن يكون مشحونا -بعض أفراد المجموعة يملكون ملايين الدولارات، وغيرهم ... لا يملكون القدر نفسه- إلا أنه كان بهيجا منذ بدايته. يقول ستيف وود (الصف الثاني على اليسار)، الذي كانت زوجته، مارلا (الثالثة من اليسار، الصف السفلي) موظفة أيضا (هو اليوم رئيس شركة اتصالات، أما هي فمتطوعة) إن الصورة ليست تركتهما: "إن تركتنا هي ما فعلناه".
------------------------
- المصدر : مجلة نيوزويك باللغة العربية 1/7/2008